دائما ما كان تاريخ أي صحيفة معبرًا بشكل أو آخر عن تاريخ وبيئة ومناخ البلد الذي صدرت فيه (سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا)، سواء كانت تلك الصحيفة تنتمي إلى نظام ذلك البلد وتعبر عنه وتدافع عن توجهاته وتسوق لها أو كانت معارضة وناقدة ، وإذا كان الحديث يجري عن (البصائر) فإنّ شكله ومعاييره ومقاصده تكون بالتأكيد على نحو آخر يلتصق بطبيعة الزمن الذي ولدت فيه والظروف التي عاشتها والتحديات التي واجهت الولادة وصاحبت النشأة والنمو، ففي لحظة فارقة من تاريخ العراق والعراقيين ولدت (البصائر) من رحم الحاجة الفعلية لصوت عراقي يعبر عن واقع الحال بلا تزيف ولا تزلف، اذ أدركت هيئة علماء المسلمين في العراق أهمية الإعلام في بيان الحقائق وتبنيها، وفي الوقوف مع الباطل وتسويقه، فهو بحق سيف ذو حدين، لا يمكن إهماله ولا يمكن الإمساك به من دون دراية وفهم وحسن رؤية وفكر، لذلك كان القائمون على إدارة شؤون الهيئة حريصين على إصدار صحيفة تتولى مهمة الدفاع بالحق عن الحق والدعوة إليه ..فكانت البصائر.
لقد ولدت البصائر وهي مكلفة بحمل راية الحق والحقيقة للنهوض بواقع الإعلام الوطني الصادق
لقد ولدت البصائر وهي مكلفة بحمل راية الحق والحقيقة للنهوض بواقع الإعلام الوطني الصادق في مواجهة إعلام واسع في مساحته وكبير في تمويله ودعمه يرفع رايات الادعاءات الباطلة والتضليل بلا خجل ولا خوف، ويتبنى الانتماءات والأجندات الخارجية والأهداف الخبيثة، فباتت البصائر منذ لحظة ولادتها مميزة بتفردها وهي تواجه هذا الكم الهائل من الصحف الصفراء والحمراء والسوداء والتي بلا ألوان، فضلا عن أدوات إعلامية عديدة أخرى تساندها وتغرف من ذات التمويل وتنعم بذات الحماية والدعم من أحزاب السلطة وقواها وشخوصها ومن يقف خلفهم و يوجههم، أدوات تتوزع على محطات فضائية ومواقع إلكترونية ومنصات منصوبة هنا وهناك (تنعق) بالباطل على أنّه الحق، حتى صار عدد الصحف الصادرة بهذه الألوان القبيحة أكثر من ٥٠٠ صحيفة (بين يومية وأسبوعية) وأكثر من ٤٠ قناة فضائية تسوق للباطل وصور التضليل والخداع.. فأي صحيفة هي البصائر التي حملت عبء المقارعة بالحق والنهوض في زمن الانبطاح والذلة والخنوع؟
لقد ظهرت البصائر في الثاني من آب /اغسطس عام ٢٠٠٣، وهي مصممة على أن تكون أوراقها حاملة كل ما يعز الوطن والمواطن، وكل ما يعبر بحق عنهما وعن حقوقهما، وكان ذلك بالتأكيد أمرا طبيعيا ،كونها من بيت عراقي أصيل (هيئة علماء المسلمين)، فبات المتطلع لأوراق الصحيفة منذ أول عدد يرى تفاصيل حكاية العراق والعراقيين في مواجهة كارثة الاحتلال بتفاصيلها البشعة التي تدل عليها أعمال الخيانة والقتل والتدمير والحرق والسلب، وتفاصيلها السامية التي تدل عليها أعمال المقاومة والصمود والتحدي والمناهضة والممانعة لكل ما هو باطل، الأمر الذي جعل البصائر منذ ولادتها موكلة ( بدون تكليف وحتى ربما دون تخطيط من القائمين عليها)، لتكون إضافة لكونها صوت يجهر بالحق ويبدع في بيان الرؤية الصحيحة والدعوة الصائبة، أرشيفا حافظا يجمع تفاصيل الحياة العراقية بكل بشاعاتها وزهوها في زمن هو الأصعب ربما في تاريخ العراق، وبعض صعوبته تكمن في محاولات التزوير والتضليل وقلب الحقائق والمفاهيم، الذي تتولاه جميع القوى التي ترعى مشروع (العراق الجديد) عراق الهوية المشتتة عراق الإذعان والسلب والفساد والخنوع، عراق بلا سيادة ولا استقلال ولا وزن ولا رؤية.. الأمر الذي جعل مهمة (البصائر) سامية ومتفردة لأنّها كانت منذ عددها الاول في الثاني من آب/اغسطس عام ٢٠٠٣حريصة على القول القاطع بأنّها: مع الوطن الواحد وضد كل تشتت، ومع الهوية الجامعة وضد كل من يريد لها أن تسقط وتعلو عليها الرايات.
الطائفية والإثنية، ومع فكر المقاومة وليست مع فكر الخضوع والاستسلام، ومع الدين الحق وليست مع الخرافات والتشوهات، ومع كرامة الوطن والمواطن وضد كل ما يسلبهما حقوقهما وثرواتهما وتراثهما. هي مع الحقيقة وضد الباطل.
الطائفية والإثنية، ومع فكر المقاومة وليست مع فكر الخضوع والاستسلام، ومع الدين الحق وليست مع الخرافات والتشوهات، ومع كرامة الوطن والمواطن وضد كل ما يسلبهما حقوقهما وثرواتهما وتراثهما. هي مع الحقيقة وضد الباطل.
بعد ستة عشر عاما من صدور العدد الأول، تبدو البصائر اليوم عازمة على المسيرة الأولى. مخلصة ووفية لها، وتلك بحق شهادة نجاح وتميز لا يمكن لأيّة صحيفة أن تنالها وهي تمضي على طريق مزروع بالمصاعب والتحديات وفي بيئة إعلامية تصنع مناخاتها بأموال كبيرة وأدوات متطورة ووسائل عديدة، لم تكن متاحة (للبصائر) في يوم من الأيام، لكن فقرها هذا لم يقف يوما في وجه قدرتها على اجتياح ساحات ومناخات الآخرين
وأحداث العواصف فيها، بما تمتلك من إخلاص للحق وانحياز للحقيقة، فصار ذلك بيدها مثل (العصا السحرية) التي تتفوق في صناعة الصور الأجمل لليد التي تستعملها، مهما كانت قوة الآخرين وقدراتهم وإمكاناتهم.
الذي يقلب اليوم بأوراق صحيفة (البصائر) القديمة والجديدة، لابد أن يتوقف عند سؤالين مهمين: ماذا قدمت البصائر؟ ماذا عليها أن تقدم؟
وللإجابة لابد من القول إنّ ( البصائر) ليست مجرد صحيفة يمكن الحكم عليها من خلال متابعة شكلها ومضمونها ورسالتها، وإن كان ذلك لا يحرج (البصائر) ولا القائمين عليها، بل يصب في مصلحتها ومصلحتهم ويثقل موازينهم بأعلى درجات النجاح والتفوق، إلا أنّ النظر إلى (البصائر) يستوجب تسليط حزمة واسعة من الضوء على مساحتها وعمقها، فهي إطار مقاوم يقف عند ذاته بكل شجاعة، يتحسس الدرب ويتطور ويستجيب ويتفاعل ويستلهم من واقع المواجهة المستمرة ضد الباطل، لذلك فإنّ كل الخطوات الماضية والآنية واللاحقة للبصائر جاءت وستأتي، بنبض وطني وإنساني وأخلاقي يحافظ على كينونتها وحضورها ..ومن هنا فإنّ كل عام يمضي من عمر (البصائر) هو إيذان باستمرار المسيرة وفي نجاح الخطوات وتميزها، الأمر الذي يستوجب من الباحثين والمهتمين دراسة هذه الصحيفة بنحو يدل على وزنها في الساحة الوطنية العراقية وفي مسيرة الإعلام الوطني، وقد عبرت عنه طوال ستة عشر عاما مضت وهي ترفع شعار الدفاع بالحق عن الحق.