أعلنت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية أن تقديراتها تشير إلى أن المرض الخبيث قد يحصد أرواح قرابة 9.5 مليون شخص على مستوى العالم عام 2019، بمعدل حالة وفاة واحدة من كل 8 حالات وفاة بين الرجال، وحالة وفاة من كل 11 حالة وفاة بين النساء.
أما العراق فقد احتل صدارة دول المنطقة في معدلات حالات السرطان، إذ أعلن ديوان الرقابة المالية الاتحادي في تقريره المختص بتقويم الأداء الصحي في البلاد لعام 2018 عن تزايد معدلات الإصابة بمرض السرطان لعدم توفر المتطلبات الكافية للكشف المبكر عنه والحد منه.
وأورد التقرير أن من أهم المشكلات في قطاع الصحة المتعلقة بعلاج أمراض السرطان قلة أعداد الملاكات الطبية والأجهزة المتخصصة، إضافة إلى عدم امتلاك الوزارة رؤية واضحة لتحديد المتطلبات التي تستوجبها الخدمة العامة فيما يتعلق بتزايد انتشار مرض السرطان في البلاد.
وأشار التقرير إلى أن نسبة الوفيات لمرضى السرطان في العراق بلغت (10%) من مجموع الوفيات التي تسببها الأمراض غير السارية، في الوقت الذي لا تتوفر فيه إحصائية دقيقة وموثوقة عن أعداد المصابين بالسرطان في البلاد.
السطور التالية تقرأ في انتشار مرض السرطان في محافظة التأميم في ظل عدم توفر الأجهزة الطبية المتخصصة والأدوية.
ارتفاع الإصابات في التأميم
أرقام مخيفة وفي ارتفاع مطرد تلك التي تتعلق بأعداد مصابي مرض السرطان في مدينة كركوك، إذ يقول مدير مركز كركوك للأمراض السرطانية “نياز أحمد” في حديثه لجريدة “البصائر” إن عام 2018 شهد ارتفاعًا كبيرًا في أعداد مرضى السرطان في مدينة كركوك.
وأضاف أن مركزه سجل قرابة 1643 إصابة بمرض السرطان في المدينة التي تقبع في واحدة من أغنى مناطق العالم بالنفط، موضحًا أن مركز الأورام السرطانية في كركوك يعاني من تدهور كبير وإهمال أكبر من قبل وزارة الصحة، إذ إن 60% من الأدوية اللازمة لعلاج مرضى السرطان غير متوفرة في المركز، في حين أن الموجود لا يغطي نسبة 10% من الحاجة الأساسية للأدوية.
مركز كركوك لعلاج الأورام السرطانية افتتح في المدينة بجهود المتبرعين واتخذ من أحد مراكز الشرطة الخارجية مقرًا له
من جهته يقول الطبيب الأخصائي في علاج الأمراض السرطانية في كركوك “هيثم الصالح” في حديثه لجريدة “البصائر” أن مركز كركوك لعلاج الأورام السرطانية افتتح في المدينة بجهود المتبرعين واتخذ من أحد مراكز الشرطة الخارجية مقرًا له، بعد أن عجزت وزارة الصحة ودائرة صحة المدينة عن توفير مكان ملائم لعلاج الأورام السرطانية.
ويضيف أن المركز يفتقر إلى أبسط الأجهزة المختصة بالكشف عن الأورام السرطانية، فضلًا عن نقص الأدوية وضيق المكان وعدم ملاءمته لأن يكون مركزًا صحيًا تخصصيًا، بحسب الصالح.
معاناة تفوق الوصف
قصص كثيرة لمرضى السرطان في محافظة التأميم، إذ تقول الحاجة “بثينة محمد” في حديثها لجريدة “البصائر” إنها تعاني من سرطان الثدي منذ أربع سنوات، وأنها وبعد أن تلقت علاجًا في إحدى مستشفيات أربيل قبل عامين وبعد أن أجريت لها عملية جراحية كلفتها 10 آلاف دولار، اكتشفت أن المرض عاود الظهور مجددًا.
وتضيف أن عائلتها لم تعد تمتلك ما يصلح بيعه لأجل توفير ثمن الجرعات الكيمياوية لعلاجها مجددًا، وأنها راجعت مركز الأورام السرطانية في المدينة، إلا أنه لم يقدم لها أي جرعة بسبب عدم توفرها.
تكلفة العملية في المستشفيات الخاصة تبلغ قرابة 12 ألف دولار
قصة أخرى للطفل “علي” والذي يبلغ من العمر 7 سنوات، إذ يقول والد الطفل ويدعى “عبد الموجود” أن ابنه يعاني من ورم دماغي شخصه الأطباء على أنه ورم حميد، وأنه بحاجة إلى إجراء عملية جراحية في الدماغ لاستئصال الورم.
ويضيف عبد الموجود أن تكلفة العملية في المستشفيات الخاصة تبلغ قرابة 12 ألف دولار، إلا أنه لا يملك هذا المبلغ، موضحًا أن مستشفيات مدينة كركوك غير قادرة على علاج ابنه، بسبب قلة الكوادر الطبية وعدم توفرها في المدينة، ما يحتم عليه انتظار طابور طويل يمتد لأشهر ريثما يحصل على موعد إجراء العملية لطفله في مدينة الطب في العاصمة بغداد.
لا تقف معاناة مرضى السرطان في مدينة كركوك عند حد معين، إذ يشير كثير من المراقبين في المدينة إلى أن انتشار الشركات النفطية حول المدينة يسبب مزيدًا من التدهور الصحي لدى المصابين بأمراض السرطان، فضلًا عن أن الغازات التي تنفها تلك الشركات في الهواء تعد السبب الرئيس لأمراض السرطان.
وبحسب أحد سكان مدينة كركوك ويدعى “عثمان الحيالي” متحدثًا لجريدة “البصائر” فإن هذه الشركات لا تلتزم بالمعايير البيئية في إنتاجها واستخراجها للنفط، إذ إنها تنفذ دخانها وسمومها إلى الأراضي المحيطة بالشركات في ظل صمت حكومي وعدم اكتراث بتفاقم انتشار مرض السرطان في المدينة.
كشف للحقائق ومناشدات
لا يقف التدهور الصحي في قطاع علاج أمراض السرطان عند مدينة كركوك، إذ أقر عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية “جواد الموسوي” عن عدم توفر 60% من علاج مرضى السرطان في المستشفيات الحكومية في مختلف المحافظات.
وأضاف في مؤتمر صحفي أن لجنة الصحة والبيئة النيابية طالبت وزارة الصحة ببيان اسباب عدم سد احتياج عموم مراكز الأورام السرطانية من الأدوية الأساسية لعلاج السرطان وتدني نسبة التجهيز بصورة حادة جدًا في الأشهر الأخيرة.
عدم توفر 60% من علاج مرضى السرطان في المستشفيات الحكومية في مختلف المحافظات.
فيما أطلقت محافظة التأميم نداء استغاثة لبعثة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية من أجل تقديم الدعم لمركز الأورام السرطانية في المحافظة، بعد وصول عدد المصابين بمرض السرطان إلى أكثر من 1600 حالة.
وبحسب كتاب وجهته المحافظة إلى بعثة الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى في الـ25 آذار/مارس الماضي واطلعت عليه جريدة “البصائر” فقد دعا الجبوري المنظمات الدولية إلى دعم مركز الأورام السرطانية في المدينة سواء كان الدعم ماديًا أو من خلال تقديم الأجهزة الطبية والأدوية، بحسب نص الكتاب.
ويشير مراقبون في مدينة كركوك إلى أن ما يفاقم من أوضاع مرضى السرطان في المدينة هو عدم وجود رقابة صحية على الصيدليات التي تبيع أدوية مكافحة السرطان، إذ يقول أحد مرضى السرطان في كركوك ويدعى “هيوا عمر” في حديثه لجريدة “البصائر” إن الصيدليات تستغل مرضى السرطان وتبيع بعض الأدوية والجرع بأضعاف سعرها عن المحافظات الأخرى.
وكشف عمر المصاب بسرطان الرئة، إنه يضطر في بعض الأحيان للذهاب إلى بغداد أو أربيل لشراء الجرع الكمياوية بسبب ارتفاع سعرها الكبير في كركوك، مناشدًا وزارة الصحة ودائرة صحة المدينة فرض رقابة صحية على الصيدليات لأجل المساهمة في وضع حد للاستغلال الكبير الذي يعانيه مرضى السرطان.
وما بين معاناة كبيرة يكابدها مرضى السرطان في كركوك، وبين تقصير حكومي واستغلال الصيدليات للمرضى، يرزح مصابو السرطان في كركوك تحت وطأة المرض وعلاجه، وسط امتناع دائرة صحة المدينة عن الإدلاء بأي تفاصيل أو تصريحات تختص بهذا الموضوع.